You are currently viewing برنامج “مغرومين”: الاستثمار الأوروبي في الشباب التونسي وآليات التأثير الجيوسياسي

برنامج “مغرومين”: الاستثمار الأوروبي في الشباب التونسي وآليات التأثير الجيوسياسي

شهدت مدينة بنزرت يوم 30 ماي 2025 زيارة ميدانية مشتركة بين برنامج “مغرومين” الممول من الاتحاد الأوروبي وعدد من المعاهد الثقافية التابعة له. وركزت الزيارة على التعرف على الجمعيات الشبابية الممولة من قبل الاتحاد الأوروبي عبر برنامج “مغرومين”، والاطلاع على تجارب الشباب المستفيدين، بالإضافة إلى تقييم الأثر الذي تركته هذه المبادرات الأوروبية على الشباب التونسي ومجتمعهم. انطلقت الجولة من الفضاء الثقافي “ماجيستيك” وجمعية “ضجة”، وهما من بين المستفيدين من برنامج “مغرومين”، ثم تواصلت الزيارة إلى جمعية “كاب بنزرت”. وكانت المحطة الأخيرة في مخيم الناظور، حيث شهد الحضور عروضاً فنية ورياضية.

هذه الزيارة تُسلط الضوء على واحد من أهم البرامج الأوروبية الموجهة للشباب في تونس، والذي يطرح تساؤلات جدية حول طبيعة التأثير الأوروبي على التوجهات الشبابية والمجتمعية في البلاد. برنامج “مغرومين” (MaghroumIN) هو جزء من برنامج EU4Youth الأوروبي الأوسع، ويُعرف رسمياً باسم “مشاركة وإدماج الشباب التونسي من خلال الإبداع والوصول إلى الثقافة والرياضة على المستوى المحلي”. يُمثل هذا البرنامج المكون الثاني من برنامج EU4Youth للاتحاد الأوروبي في تونس في إطار اتفاقية مع الحكومة التونسية. انطلق المشروع في جانفي 2022 ومن المقرر أن يستمر لمدة خمس سنوات تقريباً، بميزانية تبلغ 15.46 مليون يورو. يهدف البرنامج إلى دعم المبادرات الجمعياتية المحلية من قبل الشباب وللشباب، مع التركيز على الرياضة والثقافة من خلال الدعم التقني والمالي.

يُعتبر التمويل أقوى أدوات التأثير في برنامج “مغرومين”، حيث تحصل الجمعيات المستفيدة على دعم مالي وتقني مقابل الالتزام بمعايير ومقاييس أوروبية محددة. هذا النهج يخلق نوعاً من التبعية المؤسسية، حيث تصبح هذه الجمعيات معتمدة على التمويل الأوروبي لاستمراريتها وتطوير أنشطتها. وتتجاوز هذه التبعية المسألة المالية البحتة لتشمل التوجهات البرمجية والأولويات التي تحددها هذه الجمعيات في عملها مع الشباب.

من خلال التركيز على الثقافة والرياضة، يستطيع الاتحاد الأوروبي توجيه الاهتمامات الشبابية نحو مجالات معينة قد تتماشى مع رؤيته لدور الشباب في المجتمع. هذا التوجه يمكن أن يؤثر على تشكيل الهوية الثقافية للشباب التونسي وتوجهاتهم المستقبلية، خاصة عندما تصبح الأنشطة الثقافية والرياضية الممولة أوروبياً هي البديل الوحيد المتاح أمام الشباب في ظل ضعف الإمكانيات المحلية. كما يساهم البرنامج في إنشاء شبكة من المؤسسات والأفراد المرتبطين بالاتحاد الأوروبي، مما يخلق قنوات تأثير غير مباشرة يمكن استخدامها لاحقاً في التأثير على السياسات المحلية أو التوجهات العامة.

أما التأثير على المصالح التونسية فيتجلى في عدة مستويات. فعلى مستوى التبعية الثقافية، قد يؤدي التمويل المستمر والمشروط إلى تبني قيم و مفاهيم أوروبية قد لا تتماشى مع الثقافة المحلية. هذا التأثير يحدث تدريجياً من خلال تأهيل كوادر شبابية وفق مناهج أوروبية، وترويج أنشطة ثقافية تعكس الرؤية الأوروبية للتنمية، وإنشاء نماذج مرجعية أوروبية للشباب التونسي.

بدلاً من توجيه الطاقات الشبابية نحو قضايا التنمية الوطنية الأساسية مثل التنمية الاقتصادية المحلية أو حل مشاكل البطالة الهيكلية، قد يتم توجيهها نحو أنشطة ثقافية ورياضية، رغم أهميتها، إلا أنها قد لا تعالج التحديات الجوهرية التي تواجه البلاد. هذا التوجه يمكن أن يشتت الانتباه عن القضايا الحيوية ويخلق وهماً بالتقدم دون معالجة حقيقية للمشاكل الأساسية.

كما قد يتم من خلال التمويل والدعم إنشاء طبقة من الشباب النخبوي المرتبط بالاتحاد الأوروبي، مما قد يؤثر على التوجهات السياسية المستقبلية لهؤلاء الشباب. هذه الطبقة قد تصبح أكثر ميلاً لتبني السياسات والرؤى التي تخدم المصالح الأوروبية حتى لو تعارضت مع المصالح الوطنية الخالصة.

برنامج “مغرومين” لا يعمل في فراغ، بل هو جزء من استراتيجية أوروبية أوسع تجاه تونس. فقد أبرم الاتحاد الأوروبي مع تونس في 2023 شراكة استراتيجية شاملة، وقدم لتونس تمويلات قاربت 1.8 مليار يورو منذ 2013، مع التخطيط لمواصلة هذا الدعم خلال الفترة 2025-2027. هذه الأرقام تُظهر حجم الاستثمار الأوروبي في تونس والذي يأتي بطبيعة الحال مع توقعات وشروط معينة.