You are currently viewing الجزائر بين المبادئ والمصالح: قراءة في تصريحات الرئيس تبون الأخيرة

الجزائر بين المبادئ والمصالح: قراءة في تصريحات الرئيس تبون الأخيرة

في تطور لافت للموقف الجزائري من قضية التطبيع مع إسرائيل، صرح الرئيس الجزائري عبد المجيد تبون في مقابلة حديثة مع صحيفة “لوبوان” الفرنسية بأن الجزائر قد تنظر في تطبيع العلاقات مع إسرائيل، ولكن فقط بعد إقامة دولة فلسطينية. هذا التصريح يأتي في سياق معقد يستدعي قراءة عميقة للواقع الجزائري الراهن.

فالجزائر، التي عانت من “العشرية السوداء” في تسعينيات القرن الماضي وما خلفته من آثار اجتماعية واقتصادية عميقة، تواجه اليوم تحديات داخلية جمة. يأتي في مقدمتها اقتصاد هش يعتمد بشكل شبه كلي على عائدات النفط والغاز، مما يجعله عرضة لتقلبات الأسواق العالمية. هذا الوضع الاقتصادي الهش انعكس سلباً على المستوى المعيشي للمواطنين، حيث تعاني شرائح واسعة من المجتمع الجزائري من الفقر والبطالة، خاصة في أوساط الشباب.

وعلى المستوى الجيوسياسي، تجد الجزائر نفسها في موقع دقيق. فمن جهة، هناك التوتر المستمر مع المغرب حول قضية الصحراء الغربية، والذي تفاقم مؤخراً بعد اعتراف فرنسا بسيادة المغرب على الإقليم. ومن جهة أخرى، هناك العلاقة المتوترة مع فرنسا نفسها، والتي وصفها الرئيس تبون بأنها “مسمومة” في المقابلة ذاتها.

في هذا السياق، يمكن فهم تصريحات تبون حول إمكانية التطبيع مع إسرائيل كجزء من سياسة خارجية براغماتية جديدة قد ترى في التقارب مع إسرائيل فرصة للخروج من وضعها الداخلي و الخارجي المعقّد. فبينما تؤكد الجزائر على موقفها المبدئي الداعم للقضية الفلسطينية، فإنها تترك الباب مفتوحاً أمام تغييرات مستقبلية محتملة في سياستها الخارجية، مشترطة تحقيق هدف إقامة الدولة الفلسطينية أولاً.

هذا الموقف يعكس تحولاً دقيقاً في الخطاب السياسي الجزائري، الذي طالما اتسم بالتشدد في رفض أي شكل من أشكال التطبيع مع إسرائيل. فالجزائر، التي رفضت الانضمام إلى اتفاقيات أبراهام في عام 2020، تجد نفسها اليوم في وضع يستدعي إعادة تقييم مواقفها في ضوء المتغيرات الإقليمية والدولية. و مع ذلك، فإن هذا الموقف “المشروط” تجاه التطبيع يجب أن يُفهم في سياق أوسع. فالجزائر، التي تواجه تحديات اقتصادية واجتماعية داخلية كبيرة، تسعى إلى تحقيق توازن بين الحفاظ على مكانتها كداعم للقضية الفلسطينية في ظاهر المشهد من جهة، والانفتاح على التغيرات الجيوسياسية في المنطقة من جهة أخرى.