You are currently viewing الأزمة الليبية المتصاعدة: مؤشرات انهيار الأمن وتعقيدات المشهد السياسي

الأزمة الليبية المتصاعدة: مؤشرات انهيار الأمن وتعقيدات المشهد السياسي

في خضم تفاقم الأزمة السياسية والأمنية في ليبيا، تتوالى الأحداث المتسارعة التي تشير إلى تدهور الوضع على مختلف الأصعدة. فبعد مرور أكثر من عقد على انهيار نظام القذافي، لا تزال ليبيا تعاني من انقسامات حادة وصراعات متداخلة، تفاقمت حدتها في ظل تنامي نفوذ المليشيات المسلحة وضعف سلطة الدولة المركزية.

تحركات دبلوماسية وسط تصاعد الأزمة

كشفت مصادر مطلعة عن لقاء جمع رئيس المخابرات العامة المصرية اللواء حسن رشاد مع كبير مستشاري الرئيس الأمريكي دونالد ترامب للشؤون العربية والشرق الأوسطية مسعد يولس. وقد تناول اللقاء عدداً من الملفات والقضايا الإفريقية، مع التركيز بشكل خاص على الأوضاع المتدهورة في ليبيا.

يأتي هذا اللقاء في إطار التحركات الدبلوماسية المكثفة التي تقودها مصر بالتنسيق مع الولايات المتحدة، سعياً لاحتواء الأزمة الليبية التي باتت تشكل تهديداً متزايداً للأمن الإقليمي.

جرائم خطيرة تكشف انهيار الأمن

وسط هذه التطورات السياسية، كشف اللواء 444 قتال – وهي واحدة من أهم القوات العسكرية في غرب ليبيا المكلفة بعمليات حفظ الأمن ومكافحة الجريمة المنظمة في العاصمة وضواحيها – عن جريمة مروعة تمثلت في العثور على مقبرة جماعية في منطقة أبو سليم بالعاصمة طرابلس. وقد تم العثور على جثمان الشابة “رؤية” ضمن هذه المقبرة، إلى جانب 9 جثامين أخرى تعرضت للحرق. وتحولت قضية “رؤية” إلى رمز لظاهرة الاختفاء القسري المستشرية في ليبيا منذ سقوط نظام القذافي.

وأوضح اللواء أنه ألقى القبض على أفراد تابعين لبلقاسم، نجل عبد الغني الككلي المعروف بـ”غنيوة الككلي” – أحد أقوى قادة المليشيات في طرابلس والذي يسيطر على أجزاء واسعة من العاصمة ولا سيما منطقة أبو سليم. وقد أدت التحقيقات الميدانية إلى اعترافات كشفت عن وجود المقبرة الجماعية داخل أحد المقرات التابعة للككلي. يذكر أن “غنيوة الككلي” يعد من “أمراء الحرب” البارزين في العاصمة الليبية الذين امتدت سيطرتهم في ظل غياب سلطة الدولة المركزية.

وكانت قضية الشابة “رؤية” قد أثارت ضجة كبيرة على مواقع التواصل الاجتماعي بعد مناشدة مؤثرة أطلقتها والدتها للكشف عن مصير ابنتها، مما أدى إلى تعبئة الرأي العام الليبي وفرض ضغط على السلطات للتحقيق في الأمر.

تعكس هذه الجريمة المروعة حجم الانفلات الأمني الذي تعاني منه العاصمة الليبية، واستشراء ظاهرة الإفلات من العقاب في ظل غياب سلطة القانون وسيطرة المليشيات المسلحة على مناطق واسعة من البلاد. كما تبرز حالة الفوضى الأمنية التي تعم ليبيا منذ الإطاحة بنظام القذافي في عام 2011، والتي أدت إلى تحول البلاد إلى ساحة صراع بين قوى مسلحة متنافسة، كل منها يدعي تمثيل الشرعية.

انهيار المؤسسات وتفاقم الفوضى

في مؤشر آخر على تفاقم الأزمة، تعرض ميناء طرابلس، أحد أهم المنافذ الاقتصادية في البلاد، لعمليات نهب واسعة على يد أحد الأجهزة الأمنية التابعة لحكومة الوحدة الوطنية المنتهية ولايتها. وقد أدى ذلك إلى إغلاق الميناء، مما يفاقم من الأزمة الاقتصادية التي تعاني منها البلاد.

ونقلت وسائل إعلام ليبية عن مصادر مطلعة بإدارة الميناء، قولها إن عشرات السيارات لمواطنين تمت سرقتها، بالإضافة إلى خزنة المالية وأجهزة الحاسوب وغيرها. وهو ما يعكس حالة الفوضى وغياب السيطرة الحكومية على المرافق الحيوية في البلاد.

صراع الأجهزة الأمنية والاتهامات المتبادلة

وفي تطور يعكس حدة الانقسام بين المؤسسات الأمنية في ليبيا، أصدر جهاز دعم الاستقرار التابع للمجلس الرئاسي بياناً شديد اللهجة، اتهم فيه جهات رسمية وصفها بـ”حكومة الغدر والعمالة” بالاستمرار في حملة ممنهجة من الأكاذيب والافتراءات ضد الجهاز، وذلك في محاولة للنيل من سمعته وزعزعة الأمن والاستقرار في البلاد.

وجاء في البيان أن الجهات المذكورة تواصل “اختلاق الأكاذيب”، في إشارة إلى قضية “الجثث في مبردات المستشفيات”، والتي سبق للجهاز أن فنّدها، قبل أن تظهر “مزاعم جديدة” من بينها اتهامات تتعلق ببقايا جثث وادعاءات غير موثقة حول أسود في حديقة الحيوان.

يعكس هذا التراشق الإعلامي بين الأجهزة الأمنية المختلفة حالة الانقسام المؤسسي العميق في ليبيا، حيث تتبع هذه الأجهزة لسلطات متنافسة تتصارع على الشرعية والنفوذ.

تداعيات مقلقة على المستوى الإقليمي والدولي

تثير هذه التطورات المتلاحقة مخاوف دولية وإقليمية من تفاقم الأزمة الليبية وتحولها إلى مصدر دائم لعدم الاستقرار في المنطقة. وتشير الاجتماعات المكثفة بين المسؤولين المصريين والأمريكيين إلى وجود قلق متزايد من تداعيات استمرار الفوضى في ليبيا، خاصة مع تزايد نشاط الجماعات المسلحة وتدفق المهاجرين غير الشرعيين عبر الحدود.

وتحاول مصر، التي تمتلك حدوداً طويلة مع ليبيا، دفع المجتمع الدولي نحو تبني مقاربة شاملة للأزمة الليبية، تتضمن وقف التدخلات الخارجية وتوحيد المؤسسات العسكرية والأمنية، بالإضافة إلى إجراء انتخابات تنهي حالة الانقسام السياسي.

مستقبل غامض وتحديات جسيمة

في ظل استمرار الانقسامات السياسية وتنامي نفوذ المليشيات المسلحة، تبدو آفاق الحل السياسي في ليبيا ضبابية. ويواجه المجتمع الدولي تحدياً كبيراً في التعامل مع الأزمة الليبية المعقدة، التي تتداخل فيها العوامل الداخلية مع المصالح الإقليمية و الدولية.

وتظل الأولوية القصوى هي استعادة سلطة الدولة وبسط سيطرتها على كامل التراب الليبي، وهو ما يتطلب توافقاً إقليمياً على خارطة طريق واضحة للخروج من الأزمة. وفي غياب هذا التوافق، يبقى المستقبل الليبي رهيناً بصراعات النفوذ وموازين القوى المتغيرة.

وفي ظل هذه الأوضاع المتدهورة، يبقى المواطن الليبي هو الضحية الأولى لتبعات الصراع وتداعياته المأساوية على الأمن والاستقرار والتنمية.