You are currently viewing انعكاسات الاتفاقيات الإيطالية التركية على المشهد الليبي

انعكاسات الاتفاقيات الإيطالية التركية على المشهد الليبي

في خضم التطورات الإقليمية المتسارعة، تشهد العلاقات الإيطالية الليبية تطوراً ملحوظاً في المجالات العسكرية والاقتصادية، وهو ما يمكن فهمه جيداً في سياق التقارب الإيطالي التركي الأخير وانعكاساته على المشهد الليبي الذي لا يزال يعاني من انقسامات داخلية عميقة.

توسيع التعاون العسكري الإيطالي الليبي

قامت أمس وفد عسكري إيطالي بزيارة رسمية إلى كلية الدفاع الجوي في مصراتة، في إطار المبادرات الثنائية الهادفة إلى تعزيز التعاون التقني والعسكري بين إيطاليا وليبيا. وفقاً لمنصة المعلومات الرسمية الليبية “حكومتنا”، فإن هدف الزيارة – التي قادها العميد لويجي توفانو، قائد البعثة الثنائية للمساعدة والدعم في ليبيا (Miasit) – كان استكشاف فرص التعاون الأكاديمي والتقني في قطاع الدفاع.

وأوضحت السلطات الليبية أن هذه الزيارة مدرجة ضمن جدول منتظم للتعاون بين القوات المسلحة للبلدين، نافية بشدة التكهنات المتداولة على وسائل التواصل الاجتماعي بأن البعثة كانت لها أهداف أخرى. وقد تم تحديد اللقاء بأنه ذو طابع تعليمي وتقني حصراً.

تأتي هذه الزيارة في أعقاب خطوة هامة تمثلت في توقيع القوات الجوية الإيطالية والليبية اتفاقاً تقنياً لتدريب الطيارين الليبيين في 27 مارس الماضي. وقع الاتفاق خلال مؤتمر عبر الفيديو من قبل رئيسي القوات المسلحة المعنية، حيث مثل الجانب الليبي رئيس أركان سلاح الجو، العميد امحمد سيفاو قوجيل، بتفويض من رئيس أركان حكومة الوحدة الوطنية، محمد علي الحداد، في حين وقع عن إيطاليا رئيس أركان سلاح الجو، الجنرال لوكا غوريتي.

الاتفاقيات الإيطالية التركية وتأثيرها على المشهد الليبي

يأتي تسارع وتيرة التعاون الإيطالي الليبي في سياق الاتفاقيات الأخيرة بين إيطاليا وتركيا، والتي أسفرت عن نهج مشترك تجاه الأزمة الليبية. فالبلدان اللذان كانا في السابق متنافسين على النفوذ في ليبيا، توصلا مؤخراً إلى تفاهمات استراتيجية تسمح لكليهما بتعزيز مصالحهما الاقتصادية والأمنية في البلد الذي يعاني من انقسامات سياسية حادة منذ عام 2014.

تشكل هذه التفاهمات إطاراً جديداً للتعامل مع الملف الليبي، حيث تنسق روما وأنقرة جهودهما لدعم حكومة الوحدة الوطنية برئاسة عبد الحميد الدبيبة، مع الحفاظ على قنوات اتصال مع الجانب الشرقي المتمثل في الجيش الوطني الليبي بقيادة خليفة حفتر. وهو ما يفسر الرفض الليبي الموحد من كلا الطرفين المتنازعين لخطة الولايات المتحدة المحتملة لترحيل المهاجرين إلى ليبيا.

المكون الاقتصادي في العلاقات الإيطالية الليبية

لا يقتصر التعاون على الجانب العسكري فحسب، بل يمتد إلى المجال الاقتصادي، وتحديداً في قطاع الطاقة. فقد التقى رئيس الوزراء في حكومة الوحدة الوطنية الليبية، عبد الحميد الدبيبة، اليوم في طرابلس مع الرئيس التنفيذي لشركة إيني الإيطالية، كلاوديو ديسكالزي، لمناقشة تقدم أنشطة الشركة في ليبيا، مع التركيز بشكل خاص على ثلاثة مشاريع تمت الموافقة عليها في عام 2023: مشروع ضغط سبراتة، ومشروع استغلال غاز بوري، والهياكل A&E.

سيتم الانتهاء من مشروع ضغط سبراتة بحلول نهاية العام وسيساهم في دعم إنتاج حقل بحر السلام. كما يتقدم مشروع استغلال غاز بوري ومن المتوقع أن يصبح جاهزاً للتشغيل في عام 2026. وأخيراً، ينفذ مشروع الهياكل A&E حالياً استراتيجيته التعاقدية، في حين بدأت أنشطة حفر الآبار في أفريل الماضي.

التعاون في مجال الطاقة كنتيجة للتنسيق الإقليمي

تعمل شركة إيني في ليبيا منذ عام 1959 وتملك حالياً محفظة واسعة من الأصول في أنشطة الاستكشاف والإنتاج والتطوير، وتتم إدارة العمليات من خلال المشروع المشترك Mellitah Oil and Gas BV (إيني 50 بالمائة، المؤسسة الوطنية للنفط 50 بالمائة). وتعد إيني “المنتج الدولي الرئيسي للغاز في البلاد، بإنتاج حصص يبلغ 176 برميل مكافئ نفط يومياً في عام 2024”.

ويعكس هذا التعاون الاقتصادي العميق نتائج التنسيق الإيطالي التركي في المنطقة، حيث تمكنت إيطاليا من الحفاظ على مصالحها الاقتصادية الحيوية في ليبيا، بينما تحافظ تركيا على نفوذها السياسي والعسكري، في تقسيم للأدوار يخدم مصالح البلدين ويساهم في استقرار نسبي للوضع في ليبيا يسمح باستمرار الاستثمارات وتدفق الطاقة.