شهدت العاصمة الإيطالية روما يوم 24 أفريل انعقاد القمة الحكومية الرابعة بين إيطاليا وتركيا في فيلا بامفيلي، حيث تم توقيع عشر اتفاقيات لتعزيز الروابط الاقتصادية وفتح مسارات جديدة للتعاون الثنائي. جرت هذه القمة بحضور رئيسة الوزراء الإيطالية جورجيا ميلوني والرئيس التركي رجب طيب أردوغان، وعلى هامش منتدى الأعمال الذي أقيم في فندق باركو دي برينسيبي.
وأعلنت ميلوني خلال المؤتمر الصحفي المشترك: “لقد تجاوزنا هدف التبادل التجاري البالغ 30 مليار دولار الذي حددناه في القمة الحكومية الأخيرة (التي عقدت في أنقرة عام 2022) قبل خمس سنوات من الموعد المحدد، مما يدفعنا لرفع السقف أكثر”. وبالفعل، تجاوز حجم التبادل التجاري بين البلدين 32 مليار دولار في عام 2024، وتم وضع هدف جديد للوصول إلى 40 مليار دولار في المستقبل القريب.
وأضافت ميلوني: “إيطاليا هي الشريك التجاري الأول لتركيا في منطقة البحر المتوسط، والثاني في أوروبا، مع تبادلات تجارية ارتفعت بشكل ملحوظ في السنوات الأخيرة، من 26 مليار دولار في عام 2023 إلى رقم قياسي يتجاوز 32 مليار دولار في عام 2024، وفي هذه الديناميكية، لعبت الصادرات الإيطالية دوراً حاسماً، مسجلة زيادة بأكثر من 28 بالمائة خلال العام الماضي”.
اتفاقيات استراتيجية في مجالات متنوعة
تضمنت الاتفاقيات الموقعة مذكرة تفاهم بين وزارة المؤسسات والصناعة الإيطالية ووزارة الصناعة والتكنولوجيا التركية للتعاون في مجالات العلوم والتكنولوجيا والابتكار والصناعة والاستثمار، واتفاقية بين وكالة الفضاء الإيطالية ونظيرتها التركية للتعاون في الأنشطة الفضائية للأغراض السلمية حصرياً.
كما تم توقيع اتفاقية بين وزارتي الثقافة في البلدين بشأن مكافحة الاتجار غير المشروع بالممتلكات الثقافية، والتعاون بين المتاحف وحماية التراث الأثري. وتم توقيع بروتوكولات أخرى للتعاون في مجال سياسات الشباب والرياضة، وبين وزارة ذوي الإعاقة الإيطالية ووزارة الأسرة والخدمات الاجتماعية التركية.
تعاون دفاعي وتكنولوجي متقدم
يكتسب التعاون في مجال الدفاع أهمية خاصة في العلاقات بين إيطاليا وتركيا. فقد وقعت شركة “ليوناردو” الإيطالية مع شركة “بايكار تكنولوجيز” التركية، الرائدة في إنتاج الطائرات بدون طيار، اتفاقية لإنشاء مشروع مشترك. وتشمل الاتفاقية الإنتاج المشترك للطائرات بدون طيار، بما في ذلك نماذج متطورة مثل “أكينجي” بوزن ستة أطنان، القادرة على حمل حمولات هجومية تصل إلى طن واحد، و”TB2″ وهي طائرة انتحارية بدون طيار أخف وزناً.
ستكون أنشطة الإنتاج موزعة بين إيطاليا وتركيا. في إيطاليا، سيتم الإنتاج في مصانع “بياجيو” في لا سبيزيا للتجميع وفي رونكي دي ليجيوناري لإنتاج المكونات الجوية. أما إنتاج المكونات الإلكترونية فسيتركز في روما. ومن المقرر أن يبدأ المشروع المشترك الإنتاج في أوائل عام 2026.
التعاون في المجال الطاقي والبنية التحتية
أشارت ميلوني إلى أنه “سيتم بناء عمود فقري رقمي متطور بطول حوالي أربعة آلاف كيلومتر عبر البحر المتوسط، مما سيحسن الاتصال بين أوروبا والشرق الأوسط وآسيا”. وأضافت: “نعزز أيضاً التعاون في مجال الطاقة، وهو سياق نحن فيه بالفعل شركاء استراتيجيون، خاصة في توريد الغاز الطبيعي عبر خط أنابيب عبر الأدرياتيكي (TAP)”.
وأكدت رئيسة الوزراء الإيطالية على نية البلدين تعميق هذا المجال من التعاون والاستفادة من الفرص التي قد تظهر في المستقبل، سواء للطاقات المتجددة أو الهيدروجين.
المصالح المشتركة في ليبيا: الأمن و الطاقة و مكافحة الهجرة
تمثل ليبيا نقطة التقاء استراتيجية للمصالح الإيطالية و التركية، حيث يسعى كلا البلدين لتعزيز نفوذهما في هذا البلد الغني بالموارد الطبيعية والذي يشكل بوابة مهمة نحو أفريقيا والبحر المتوسط. ففي المجال العسكري، تتواجد تركيا عسكرياً في ليبيا منذ سنوات بموجب اتفاقية مع حكومة الوفاق السابقة، بينما تاريخياً لإيطاليا علاقات وثيقة مع ليبيا بحكم الماضي الاستعماري والروابط الاقتصادية.
وفي مجال الطاقة، تسعى الشركات الإيطالية والتركية لتطوير حقول النفط والغاز الليبية، خاصة شركة “إيني” الإيطالية التي لها استثمارات كبيرة هناك. وقد أشار أردوغان خلال القمة إلى أن “تركيا مستعدة للعمل مع إيطاليا في مشاريع طاقة مشتركة في البحر المتوسط” يمكن أن تفيد البلدين والمنطقة بأسرها، وهو ما يمكن أن يشمل التعاون في استغلال موارد الطاقة الليبية.
كما يمثل ملف الهجرة نقطة اهتمام مشترك بين البلدين، حيث تعتبر ليبيا معبراً رئيسياً للمهاجرين غير الشرعيين إلى أوروبا عبر إيطاليا. وقد أكدت ميلوني على أهمية “عدم التراجع في مكافحة المنظمات الإجرامية والمتاجرين بالبشر”، مشيرة إلى أن التعاون في مجال الهجرة “أدى في السنوات الأخيرة إلى القضاء بشكل كبير على مغادرة المهاجرين غير النظاميين من السواحل التركية”.
من جانبه، أكد أردوغان: “سنواصل التعاون مع إيطاليا أيضاً في مكافحة الهجرة غير الشرعية”، وهو ما يشير إلى استعداد البلدين لتنسيق جهودهما في مراقبة الحدود الليبية والسواحل المتوسطية لمنع تدفق المهاجرين غير الشرعيين.
آفاق مستقبلية للشراكة الاستراتيجية
أكد وزير المؤسسات والصناعة الإيطالية، أدولفو أورسو، خلال منتدى الأعمال، على ضرورة زيادة الاستثمارات التركية في إيطاليا، مشيداً بالاستثمارات القائمة بالفعل مثل استحواذ شركة “بيكو” التركية على مصانع “ويرلبول”، واستثمارات “بايكار” في مصنع “بياجيو إيروسبيس”، والاتفاق مع “ليوناردو” في مجال الدفاع.
وقال أورسو: “في لحظة صعبة للاقتصاد العالمي، تظهر إيطاليا وتركيا أن التعاون هو الطريق للمضي قدماً: نحن نمثل رئتي النمو الاقتصادي في المنطقة الأورو-متوسطية”. وأضاف: “انتهى عصر عولمة التجارة. بعد جائحة عالمية والعديد من الصراعات والعقوبات والحواجز الجمركية، يجب على أوروبا أن تسلك طريقاً جديداً: طريق الجنوب وجنوب شرق آسيا”، مشيراً إلى أن “روما وأنقرة يمكن أن تفتحا مرحلة جديدة” في هذا الاتجاه.
وفي ختام القمة، أعربت ميلوني عن ثقتها في أن العمل المشترك “سيمكننا أيضاً من إطلاق العنان للإمكانات غير المستغلة لصداقتنا القوية”، بينما أكد أردوغان على أن “الشركات التركية ترى إيطاليا كبوابة إلى السوق الأوروبية. ونرغب في أن ترى الشركات الإيطالية تركيا كبوابة إلى الشرق الأوسط بنفس الطريقة”، مما يعكس الرؤية المشتركة للبلدين في توسيع نفوذهما الاقتصادي والجيوسياسي في المنطقة، بما في ذلك ليبيا التي تمثل ساحة استراتيجية لمصالحهما المشتركة.