في خطوة أثارت تساؤلات حول توقيتها ودوافعها الحقيقية، أصدر رئيس حكومة الوحدة الوطنية الليبية عبد الحميد دبيبة قراراً بتشكيل لجنة مشتركة لمراجعة جميع عقود تطوير النفط الموقعة خلال الفترة من 2021 إلى 2025. ويأتي هذا القرار في ظل تزايد الانتقادات الموجهة لحكومته، خاصة بعد الاتفاقيات المثيرة للجدل التي وقعتها مع تركيا، والتي اعتبرها كثيرون تنازلاً عن السيادة الليبية وخطوة لتعزيز نفوذه الشخصي للبقاء في السلطة.
المرسوم رقم 182/2025، الذي وقعه دبيبة في 28 أفريل، ينص على تشكيل لجنة تضم ممثلين عن وزارة الاقتصاد والتجارة، وديوان الرقابة الإدارية، وديوان المحاسبة، إضافة إلى أعضاء معينين من مكتب رئيس الوزراء. وستكون مهمة اللجنة فحص “طرق التعاقد وإسناد العقود” والتحقق من مدى مطابقتها للتشريعات السارية و”المعايير الدولية للشفافية والنزاهة”، فضلاً عن التحقيق في الملكية الفعلية للشركات المتعاقدة.
و للجنة صلاحيات واسعة تشمل “وقف أي مخالفات أو تجاوزات يتم اكتشافها بأثر فوري” و”اتخاذ جميع التدابير اللازمة لمنع استمرارها”، بالتنسيق مع السلطات القضائية المختصة. كما سيتم رفع نتائج وتوصيات اللجنة مباشرة إلى رئيس الحكومة، الذي سيقيم إمكانية تنفيذها.
يأتي هذا القرار عقب اجتماع مطول عقده دبيبة مؤخراً مع الرئيس المؤقت للمؤسسة الوطنية للنفط، مسعود سليمان، وممثلين عن هيئات الرقابة. وتناول الاجتماع أيضاً الجدل الذي ثار حول الوضع القانوني لشركة أركانو الخاصة، التي تأسست عام 2022 وكانت أول شركة خاصة توقع شراكة مع المؤسسة الوطنية للنفط.
لكن المراقبين يتساءلون: هل هذه الخطوة تعكس حقاً رغبة صادقة في تحقيق الشفافية وحماية ثروات ليبيا النفطية، أم أنها محاولة من دبيبة لامتصاص الانتقادات المتزايدة لسياساته، خاصة بعد الاتفاقيات المثيرة للجدل مع تركيا؟ وهل يسعى دبيبة من خلال هذه اللجنة إلى تعزيز قبضته على قطاع النفط، الذي يمثل شريان الحياة للاقتصاد الليبي؟
الواقع أن توقيت هذا القرار يثير الشكوك، إذ يأتي في وقت يواجه فيه دبيبة ضغوطاً متزايدة من مختلف الأطراف المحلية والدولية. فمنذ توقيع الاتفاقيات مع تركيا، اشتدت الانتقادات لسياساته، واتهمه خصومه بالسعي لتعزيز سلطته الشخصية على حساب المصلحة الوطنية. والآن، يبدو أن دبيبة يحاول من خلال هذه اللجنة إظهار نفسه كحامٍ للثروة النفطية الليبية ومدافع عن الشفافية، في محاولة لتحسين صورته وترسيخ شرعيته.
ومما يزيد من هذه الشكوك، الصلاحيات الواسعة الممنوحة للجنة، والتي تشمل وقف العقود وإحالة المخالفات إلى النيابة العامة. فهذه الصلاحيات قد تُستخدم كأداة للضغط على الخصوم السياسيين أو لتصفية حسابات مع أطراف معينة، خاصة وأن التقارير النهائية سترفع مباشرة إلى دبيبة، ما يعزز سيطرته الشخصية على العملية برمتها.
من جهة أخرى، لا يمكن إنكار أن قطاع النفط الليبي يعاني بالفعل من مشكلات عميقة تتعلق بالفساد وغياب الشفافية، وأن هناك حاجة ماسة لمراجعة العقود والتأكد من أنها تخدم المصلحة الوطنية. غير أن المشكلة تكمن في كون هذه المبادرات غالباً ما تتحول في السياق الليبي إلى أدوات للمناورة السياسية بدلاً من أن تكون آليات حقيقية للإصلاح.