You are currently viewing وزير الخارجية التركي في الجزائر: زيارة فيدان وصراع النفوذ في شمال أفريقيا

وزير الخارجية التركي في الجزائر: زيارة فيدان وصراع النفوذ في شمال أفريقيا

وصل وزير الخارجية التركي هاكان فيدان إلى الجزائر يوم الأحد في زيارة رسمية تستمر يومين، تهدف ظاهرياً إلى تعزيز العلاقات الثنائية ومناقشة القضايا الإقليمية والدولية المشتركة، لكن خلف الكواليس تبدو أجندة أكثر تعقيداً.

الأجندة الرسمية للزيارة

وفقاً لوكالة “الأناضول”، سيترأس فيدان مع نظيره الجزائري أحمد عطاف الاجتماع الثالث لمجموعة التخطيط المشتركة بين البلدين. كما ستتضمن الزيارة لقاءً مرتقباً مع الرئيس الجزائري عبد المجيد تبون، إضافة إلى المشاركة في تدشين القنصلية العامة التركية في وهران.

وسيستعرض الوزير التركي مع الجانب الجزائري التحضيرات لاجتماع مجلس التعاون الاستراتيجي رفيع المستوى، المزمع عقده خلال زيارة مرتقبة للرئيس تبون إلى تركيا.

وأكدت الوكالة أن فيدان سيشدد على ضرورة الاستفادة من فرص التعاون الاقتصادي لبلوغ هدف تبادل تجاري قدره 10 مليارات دولار بين أنقرة والجزائر، مع إيلاء اهتمام خاص بتعزيز التعاون في مجال الطاقة، نظراً للدور المحوري الذي تؤديه الجزائر في ضمان أمن الطاقة لتركيا.

كما ستتناول المباحثات فرص الشراكة في قطاع الصناعات الدفاعية، مع التركيز على المشاريع ذات المنفعة المتبادلة. وسيتطرق الوزير التركي إلى أبرز القضايا الإقليمية والدولية، خاصة ملفات منطقة الساحل الإفريقي والتطورات في ليبيا وسوريا وقطاع غزة.

الأبعاد الاستراتيجية غير المعلنة

لكن ما لم يُعلن عنه رسمياً هو أن هذه الزيارة قد تأتي في سياق استراتيجي أوسع يتعلق بإعادة تشكيل التوازنات الإقليمية. فالتعاون العسكري المتزايد بين تركيا والجزائر يُفهم على أنه محاولة لبناء محور جزائري-تركي يوازن النفوذ المغربي المتنامي وعلاقاته مع القوى الغربية.

في المقابل، تسعى تركيا للحصول على دعم الجزائر في الساحة الليبية، حيث تمتلك أنقرة وجوداً قوياً في غرب ليبيا. وكشفت تقارير حديثة عن توقيع اتفاقية بين أنقرة وطرابلس تحت عنوان “مذكرة تفاهم للتعاون في مجال إنفاذ القانون” في أكتوبر 2024، تتيح نشر فرق تدريب تركية لدى أجهزة الأمن الليبية، وتتضمن بنداً للسرية يمنع مشاركة المعلومات مع أطراف أخرى.

البُعد الاقتصادي والطاقي

تبدو المصالح الاقتصادية والطاقية محوراً رئيسياً في العلاقات التركية-الجزائرية. فتركيا تعتبر الجزائر مصدراً مهماً للطاقة، وتسعى لتأمين إمدادات مستقرة من النفط والغاز الجزائري. وفي المقابل، تظهر تركيا اهتماماً متزايداً باستثمارات في قطاعات متعددة في الجزائر، بما في ذلك الصناعة والبنية التحتية.

وفي سياق متصل، تتجاوز المصالح التركية في ليبيا مجرد التدريب العسكري، حيث تورطت أنقرة سابقاً في إرسال أسلحة متطورة وجنود ومعلومات استخباراتية للفصائل الليبية. وقد اعترف الرئيس أردوغان بأهمية موارد النفط والغاز الليبية لبلاده، وتُظهر التقارير وجود مليارات الدولارات من احتياطيات الخزانة الليبية في البنك المركزي التركي.

إحياء النفوذ “العثماني الجديد”

إن تحركات تركيا في المنطقة تعكس استراتيجية أوسع لإحياء نفوذها في المناطق التي كانت تحت الحكم العثماني سابقاً، وهو ما يُعرف بسياسة “العثمانية الجديدة”. هذا النهج يتجلى أيضاً في تدخلات عسكرية واقتصادية في بلدان أخرى كسوريا والصومال.

وبذلك، فإن تعزيز الوجود التركي في شمال أفريقيا عموماً، سواء من بوابة الجزائر أو ليبيا، يمنح أنقرة تأثيراً على طرق الهجرة إلى أوروبا وموارد الطاقة والمسارات التجارية.

خلاصة

تعكس زيارة وزير الخارجية التركي هاكان فيدان إلى الجزائر تعقيدات العلاقات الدولية في منطقة شمال أفريقيا، حيث تتداخل المصالح الاقتصادية والأمنية والاستراتيجية. فبينما تركز التصريحات الرسمية على تعزيز التعاون الاقتصادي وتطوير العلاقات الثنائية، تبدو هناك أجندة أعمق تتعلق بإعادة رسم خريطة التحالفات الإقليمية وتوسيع النفوذ التركي في منطقة تشهد تنافساً محتدماً بين القوى الإقليمية والدولية.