You are currently viewing الصحراء الغربية: تاريخ النزاع وتعقيدات الوضع الراهن

الصحراء الغربية: تاريخ النزاع وتعقيدات الوضع الراهن

عاد الجدل بشأن الصحراء الغربية إلى واجهة الأحداث عقب تأكيد وزير الخارجية الأميركي، ماركو روبيو، أن الولايات المتحدة “تعترف بالسيادة المغربية على الصحراء الغربية”. وخلال لقائه، الثلاثاء، في واشنطن بنظيره المغربي، ناصر بوريطة، قال روبيو إن بلاده “تدعم مقترح الحكم الذاتي المغربي الجاد والموثوق والواقعي باعتباره الأساس الوحيد لحل عادل ودائم للنزاع”.

تفاعلت الجزائر مع الموقف الأميركي المتجدد، إذ عبرت عن “أسفها” من تجديد الولايات المتحدة لموقفها الداعم “لسيادة المغرب على إقليم الصحراء الغربية”، ومخطط الحكم الذاتي الذي اقترحته الرباط كحل وحيد للنزاع. وبينما يأتي هذا الاعتراف ليعزز الموقف المغربي على الساحة الدولية، تستمر التوترات الإنسانية والأمنية في المنطقة، خاصة في مخيمات تندوف الواقعة على الأراضي الجزائرية.

حادثة دموية في مخيمات تندوف

شهدت مخيمات تندوف، صباح يوم الأربعاء، حادثة دموية جديدة أسفرت عن مقتل المواطن الصحراوي سيد أحمد بلالي وإصابة تسعة آخرين بجروح متفاوتة الخطورة، ثلاثة منهم في حالة حرجة. وقد وقع الحادث بالقرب من دائرة العركوب التابعة لما يسمى بمخيم الداخلة، حيث تعرض الضحايا الذين كانوا يعملون في مجال التنقيب عن الذهب لهجوم مفاجئ شنته دورية تابعة للجيش الجزائري، التي طاردتهم من جنوب المخيمات وصولاً إلى مشارف الدائرة السكنية.

يكتسي هذا الحادث أهمية خاصة كونه وقع على بعد أقل من خمسة كيلومترات من المخيمات، مما يعد خرقاً للاتفاق المسبق بين جبهة “البوليساريو” والسلطات الجزائرية. ونتيجة لذلك، اندلعت مناوشات عنيفة بين سكان المخيم والجيش الجزائري، مما أدى إلى حالة من الغضب والتوتر بين الأهالي. وتجدر الإشارة إلى أن هذا الحادث يعد الثالث من نوعه في السنوات الأخيرة، في سياق سلسلة من الهجمات التي استهدفت المنقبين عن الذهب في المنطقة.

في ظل استمرار الصمت الرسمي من قبل جبهة البوليساريو بعد هذا الحادث، تشهد المخيمات حالة من الاحتجاج الشعبي المتصاعد، حيث ظهر في مقطع فيديو تم نشره على مواقع التواصل الاجتماعي مجموعة من الصحراويين وهم يحتجون ضد أفراد من الجيش الجزائري اقتحموا المخيم.

الصحراء الغربية: خلفية جغرافية وتاريخية

الموقع والجغرافيا

تقع الصحراء الغربية في شمال غرب إفريقيا، وتبلغ مساحتها حوالي 266,000 كيلومتر مربع. يحدها المغرب من الشمال، الجزائر من الشرق، موريتانيا من الجنوب، والمحيط الأطلسي من الغرب. تتميز المنطقة بمناخ صحراوي قاسٍ، وتضاريسها تتكون أساسًا من سهول رملية وصخرية، مع وجود بعض الهضاب والوديان المتفرقة. تتمتع المنطقة بساحل بحري يمتد لأكثر من 1000 كيلومتر على المحيط الأطلسي، مما يمنحها موقعاً استراتيجياً هاماً.

السكان والديموغرافيا

يُقدّر عدد سكان الصحراء الغربية بحوالي 567,000 نسمة، يتوزعون بين المناطق الخاضعة للسيطرة المغربية، التي تشكل الجزء الأكبر من الإقليم، والمناطق التي تديرها جبهة البوليساريو. تتركز الكثافة السكانية في المدن الرئيسية مثل العيون، التي تعد العاصمة الإدارية للأقاليم الجنوبية المغربية، والداخلة وبوجدور.

ينحدر سكان الصحراء الغربية من قبائل صحراوية ذات أصول عربية وأمازيغية، ويتحدثون اللهجة الحسانية، وهي لهجة عربية منتشرة في المنطقة الصحراوية من شمال إفريقيا. يمارس السكان التقاليد البدوية والرعوية، رغم أن نمط الحياة الحضري أصبح سائداً في المدن الرئيسية خلال العقود الأخيرة.

التاريخ المعاصر للنزاع

خضعت الصحراء الغربية للاستعمار الإسباني بين عامي 1884 و1975، حيث كانت تُعرف باسم “الصحراء الإسبانية”. وفي عام 1975، انسحبت إسبانيا من الإقليم عقب اتفاقية مدريد الثلاثية، مما أدى إلى صراع بين المغرب، الذي ضم الجزء الأكبر من الإقليم، وجبهة البوليساريو المدعومة من الجزائر، والتي أعلنت قيام “الجمهورية العربية الصحراوية الديمقراطية”.

اندلعت حرب بين المغرب وجبهة البوليساريو استمرت حتى عام 1991 عندما توصل الطرفان إلى اتفاق لوقف إطلاق النار تحت رعاية الأمم المتحدة. منذ ذلك الحين، انقسم الإقليم إلى منطقتين: منطقة تحت السيطرة المغربية تمثل حوالي 80% من مساحة الإقليم، ومنطقة أقل كثافة سكانية في الشرق تسيطر عليها جبهة البوليساريو، يفصل بينهما جدار رملي (الجدار الدفاعي) يمتد لحوالي 2700 كيلومتر.

الوضع السياسي والنزاع الراهن

الموقف المغربي

يعتبر المغرب الصحراء الغربية جزءًا لا يتجزأ من أراضيه التاريخية، مستنداً إلى روابط تاريخية وثقافية مع المنطقة تعود إلى قرون. منذ عام 2007، قدم المغرب مبادرة الحكم الذاتي الموسع للإقليم تحت السيادة المغربية، والتي وصفها مجلس الأمن الدولي بأنها “جادة وذات مصداقية”.

يستند الموقف المغربي إلى بناء نموذج تنموي في الأقاليم الجنوبية، حيث استثمر المغرب مليارات الدولارات في مشاريع البنية التحتية والتنمية البشرية، بما في ذلك إنشاء ميناء الداخلة الأطلسي، ومشاريع للطاقة المتجددة، وتطوير شبكة الطرق والمرافق الاجتماعية.

موقف جبهة البوليساريو والجزائر

تطالب جبهة البوليساريو باستقلال الإقليم وتنظيم استفتاء لتقرير المصير، وتدير مناطق في شرق الإقليم تُعرف بـ”المنطقة الحرة”. وتتلقى الجبهة دعماً سياسياً وعسكرياً من الجزائر، التي تستضيف مخيمات اللاجئين الصحراويين في منطقة تندوف.

تعتبر الجزائر قضية الصحراء الغربية مسألة تصفية استعمار، وتدعو إلى تطبيق قرارات الأمم المتحدة في هذا الشأن. ويرى أستاذ العلوم السياسية بجامعة الجزائر، إسماعيل معراف، أن القرار الأميركي الأخير “لن يؤثر في المسار الأممي لملف الصحراء الغربية التي سُجلت منذ 1975 في الهيئة الأممية كقضية تصفية استعمار”، موضحا أن هذا التصنيف “لا يمكن تغييره أو تعديله تحت أي ظرف”.

الأمم المتحدة والمجتمع الدولي

تعتبر الأمم المتحدة الإقليم غير متمتع بالحكم الذاتي، وتدعو إلى حل سلمي عبر استفتاء لتقرير المصير، وهو ما لم يتحقق حتى الآن رغم إنشاء بعثة الأمم المتحدة للاستفتاء في الصحراء الغربية (مينورسو) عام 1991.

على المستوى الدولي، تتباين مواقف الدول بين الاعتراف بسيادة المغرب على الإقليم، أو دعم حق تقرير المصير للشعب الصحراوي. وقد شهدت السنوات الأخيرة تحولاً دبلوماسياً ملحوظاً لصالح المغرب، مع اعتراف الولايات المتحدة بالسيادة المغربية على الإقليم في ديسمبر 2020، وهو الموقف الذي جددته إدارة الرئيس ترامب مؤخراً كما أشار المحلل السياسي الحسين كنون، مؤكداً أن هذا التوجه يحمل “تأثيرا إيجابيا على المستوى السياسي والدبلوماسي داخل مجلس الأمن وخارجه”.

التحديات الإنسانية والمستقبلية

تظل قضية اللاجئين في مخيمات تندوف من أبرز الملفات الإنسانية المرتبطة بالنزاع، حيث يعيش آلاف الصحراويين في ظروف صعبة منذ عقود. كما أن الحوادث الأمنية المتكررة، مثل الحادث الأخير الذي أودى بحياة سيد أحمد بلالي، تزيد من تعقيد الوضع الإنساني في المنطقة.

يظل النزاع في الصحراء الغربية أحد أطول النزاعات في إفريقيا، مع تعقيدات جيوسياسية وإقليمية ودولية. وبينما يستمر المغرب في كسب المزيد من الاعترافات الدولية بسيادته على الإقليم، تتمسك جبهة البوليساريو والجزائر بموقفهما الداعم لتقرير المصير.