You are currently viewing وزيرة الأسرة مع سفيرة السويد : في مهمّة تصدير النموذج السويدي للأسرة التونسية

وزيرة الأسرة مع سفيرة السويد : في مهمّة تصدير النموذج السويدي للأسرة التونسية

استقبلت السيدة أسماء الجابري، وزيرة الأسرة والمرأة والطفولة وكبار السن، سفيرة السويد في تونس، السيدة سيسيليا فرامستن، في الثامن من أفريل 2025 لمناقشة سبل التعاون المشترك وتطوير برامج الشراكة في المجالات المتّصلة بالإدماج الاقتصادي للنساء والفتيات في الوسط الريفي والنهوض بالطفولة المبكرة والوالديّة الإيجابيّة.. يدفعنا هذا اللقاء إلى طرح تساؤل جوهري حول مدى توافق النموذج الاجتماعي السويدي مع الواقع التونسي، خاصة في قضايا الأسرة والمرأة والطفولة.

رغم ما تحظى به السويد من سمعة دولية في مجال الرفاه، إلا أن المتتبع للشأن السويدي يدرك حجم التحديات المجتمعية التي تواجهها. ففي مقدمة هذه التحديات يأتي نظام الخدمات الاجتماعية الذي يمنح الدولة سلطات واسعة للتدخل في شؤون الأسرة، حتى وصل الأمر إلى انتزاع الأطفال من أسرهم استناداً إلى تقديرات قد تتأثر بالاختلافات الثقافية في أساليب التربية. هذا التدخل المفرط أثار موجات احتجاج واسعة، خاصة بين الأسر المهاجرة التي تتمسك بخصوصيتها الثقافية.

ويتصل بهذا التحدي إشكالية أكبر تتمثل في هشاشة البنية الأسرية في المجتمع السويدي، حيث تسود النزعة الفردية المتطرفة التي أدت إلى انتشار ظاهرة الأسر أحادية الوالد وسهولة تفكك الروابط الزوجية. وعلى الرغم من التوازن الظاهري في أدوار الجنسين، إلا أن هذا التوازن لم يُترجم إلى استقرار أسري حقيقي، بل أسهم في خلق فراغ عاطفي واجتماعي.

وفي ظل هذه البنية الاجتماعية المفككة، تفاقمت مشكلات نفسية خطيرة كالعزلة والاكتئاب، بل وارتفعت معدلات الانتحار بشكل ملفت، خاصة بين الشباب والرجال في منتصف العمر. فالثقافة التي تمجد الاستقلالية على حساب الترابط الاجتماعي تحول المجتمع إلى جزر منعزلة تفتقر للدفء الإنساني الذي تتميز به المجتمعات المتوسطية والعربية.

أما المرأة، التي يُروج لها النموذج السويدي كمثال للتحرر والمساواة، فإنها في الواقع تواجه ضغوطاً مضاعفة بين متطلبات العمل ومسؤوليات الأسرة، في ظل غياب الدعم الاجتماعي التقليدي الذي توفره الأسرة الممتدة في المجتمعات كالمجتمع التونسي. كما أن تفكك الأسرة يلقي على المرأة عبئاً إضافياً، حيث تضطر في كثير من الأحيان إلى تحمل مسؤولية الأبناء بمفردها.

وتزداد هذه التحديات تعقيداً في سياق التنوع الثقافي الذي تشهده السويد، حيث تعاني الكثير من الأسر المهاجرة من صراع القيم بين موروثها الثقافي ومتطلبات الاندماج في المجتمع الجديد. هذا الصراع ينعكس بشكل خاص على الأطفال والمراهقين الذين يجدون أنفسهم مشتتين بين عالمين، مما يؤدي إلى أزمات هوية عميقة.

إن تونس، بإرثها الحضاري، ليست بحاجة إلى استنساخ نماذج لا تتوافق مع نسيجها الاجتماعي. بل يتعين عليها بناء نموذج تنموي أصيل يستلهم من قيمها ويستجيب لتحدياتها الخاصة. فالأسرة التونسية، بترابطها وتماسكها، تمثل رأس مال اجتماعي لا يقدر بثمن، يجب الحفاظ عليه وتطويره بدلاً من استبداله بنماذج مستوردة. لذا، ينبغي أن يرتكز التعاون مع السويد على نقل الخبرات التقنية والعلمية، دون المساس بالهوية الاجتماعية التونسية.