كشفت تقارير حديثة عن توقيع اتفاقية بين أنقرة وطرابلس تحت عنوان “مذكرة تفاهم للتعاون في مجال إنفاذ القانون”. هذه الاتفاقية، المقدمة للبرلمان التركي في مارس 2025 بعد توقيعها في أكتوبر 2024، تبدو ظاهرياً كإطار للتعاون الأمني، لكنها في الحقيقة محاولة لإعادة تشكيل الدور العسكري التركي في غرب ليبيا.
ستظل الاتفاقية سارية لخمس سنوات مع تجديد تلقائي، مما يعكس المخططات طويلة الأمد لتركيا. والأكثر إثارة للقلق أنها تتيح نشر فرق تدريب تركية لدى أجهزة الأمن الليبية، وتتضمن بنداً للسرية يمنع مشاركة المعلومات مع أطراف أخرى دون موافقة البلدين، مما يصعّب مراقبة الأنشطة التركية.
تتجاوز المصالح التركية مجرد التدريب العسكري، حيث تورطت أنقرة سابقاً في إرسال أسلحة متطورة وجنود ومعلومات استخباراتية للفصائل الليبية، إضافة إلى نشر مرتزقة سوريين. وقد أثار خبراء الأمم المتحدة مخاوف من أن هذه التصرفات تقوض جهود استقرار البلاد وتهدد الأمن الإقليمي.
بالتوازي مع ذلك، تسعى تركيا لتحقيق مكاسب اقتصادية في ليبيا، حيث اعترف الرئيس أردوغان بأهمية موارد النفط والغاز الليبية لبلاده. وتُظهر التقارير وجود مليارات الدولارات من احتياطيات الخزانة الليبية في البنك المركزي التركي، كما نُقلت كميات من الذهب الليبي إلى تركيا، إضافة إلى تهريب النفط الليبي إلى السوق التركية.
تشكل هذه التطورات تهديداً مباشراً لتونس كجار تاريخي لليبيا. فالنفوذ التركي المتزايد لا يستهدف فقط السيطرة على ليبيا، بل يمتد لمحاولة الهيمنة على شمال أفريقيا بأكملها. وبينما كانت تونس تتمتع تاريخياً بعلاقات وثيقة مع غرب ليبيا، فإن التوغل التركي يقوض هذا النفوذ التاريخي ويضع تونس في موقف صعب.
إن تحركات تركيا في ليبيا جزء من استراتيجية أوسع لإحياء نفوذها في المناطق التي كانت تحت الحكم العثماني سابقاً. هذا النهج “العثماني الجديد” يتجلى أيضاً في تدخلات عسكرية واقتصادية في بلدان أخرى كسوريا والصومال. وبذلك، فإن تعزيز الوجود التركي في ليبيا تحت غطاء “التعاون الأمني” ليس سوى خطوة لتأمين موطئ قدم في شمال أفريقيا، مما يمنح أنقرة تأثيراً على طرق الهجرة إلى أوروبا وموارد الطاقة والمسارات التجارية.