دعا الرئيس التونسي قيس سعيد المنظمات الدولية لدعم جهود بلاده من أجل العودة الطوعية للمهاجرين غير الشرعيين في تونس، وتكثيف التعاون لتفكيك الشبكات الإجرامية التي تتاجر بهم. وأوضح سعيد أنه تم تأمين عودة 1544 مهاجرا فقط منذ بداية العام الجاري، مشيرا إلى أن هذا الرقم كان ليصبح أكبر بكثير “لو تمّ بذل مجهودات أكبر حتّى يتمّ وضع حدّ نهائي لهذه الظاهرة غير المقبولة لا على المستوى الإنساني ولا على المستوى القانوني”، وفق بيان رئاسي.
وراء هذا الخطاب الرسمي، يبرز مرة أخرى نهج سياسي اعتاد تعليق أزمات البلاد على مشجب الخارج، وكأن كل إشكال داخلي لا يجد تفسيره إلا في تقاعس الآخرين عن التدخل. فالحديث عن ضرورة تكثيف الجهود الدولية يوحي بأن تونس، رغم أنها دولة ذات سيادة، ليست سوى كيان معلق بين إرادات القوى الخارجية، ينتظر تدخلها لإنهاء مشاكله. لا محاولة لتفكيك العوامل الداخلية التي جعلت من البلاد نقطة تجمع للمهاجرين، ولا مراجعة للسياسات الوطنية التي لم تنجح في التعامل مع الملف، بل مجرد خطاب يُلقي بالمسؤولية على “الآخر”، سواء كان هذا الآخر شبكات إجرامية أو منظمات أممية أو دولًا أوروبية.
هذه السذاجة السياسية ليست جديدة، بل هي جزء من عقلية حكم تعتبر أن الحلول لا تأتي إلا من الخارج، وأن تونس لا يمكنها التصرف إلا عندما تتحرك الأطراف الدولية. فبدلاً من بناء مقاربة سيادية تعكس وعياً بموقع الدولة في هذا الملف، يفضل الخطاب الرسمي تبني موقع الضحية، متجاهلاً أن انتظار الحلول الخارجية ليس مجرد دليل على العجز، بل هو تكريس لحالة من الارتهان الدائم. فالدول التي تنتظر الآخرين لمعالجة أزماتها لا تخرج منها أبدًا، بل تبقى حبيسة منطق التبعية، عاجزة عن الفعل، متقنة فقط لفن التبرير وإلقاء اللوم.
إن المشكلة لا تكمن فقط في خطاب رسمي يطالب العالم بالتدخل، بل في عقلية أعمق تكرس غياب المبادرة الوطنية، وتغلق الباب أمام أي رؤية استراتيجية مستقلة. فتونس اليوم ليست في حاجة إلى بيانات تلقي بالمسؤولية على الخارج، بل إلى إرادة سياسية تدرك أن حل الأزمات يبدأ من الداخل، لا من انتظار من يستجيب للنداء.