أطلقت السفارة الألمانية في تونس “صندوق التنمية للجميع” معلنةً رسمياً أنه مبادرة لمكافحة الفقر وتحسين الظروف المعيشية للفئات الأكثر ضعفاً. لكن وراء هذا الغلاف الإنساني، تكشف الوثائق الألمانية نفسها عن استراتيجية أعمق وأكثر تعقيداً للتدخل الثقافي والاجتماعي.
تبرز مبادرة السفارة الألمانية عبر “صندوق التنمية للجميع” كنموذج متطور للتدخل الخارجي، حيث يتجاوز الدعم المالي حدود المساعدات التقليدية ليصبح أداة استراتيجية معقدة لإعادة هندسة المشهد الاجتماعي التونسي. فالتمويل هنا لم يعد مجرد منحة مالية، بل وسيلة ناعمة للتأثير تستهدف جوهر المنظومة القيمية للمجتمع.
تتجلى خطورة هذه الاستراتيجية في آلياتها الدقيقة والمتعددة: فالشروط المفروضة على الجمعيات المحلية للحصول على التمويل – والتي تتراوح بين 5 آلاف و25 ألف يورو – تحمل في طياتها أجندة مبطنة للتغيير. فرض مفاهيم “المساواة بين الجنسين” و”النوع الاجتماعي” ليس سوى غطاء لعملية أعمق من إعادة تشكيل الوعي الاجتماعي، حيث تستهدف المؤسسات المحلية بدقة متناهية لتطويع منظومتها القيمية وفق تصورات غربية مستوردة.
تكمن جوهر الاستراتيجية في مقاربتها التدريجية والذكية: استهداف القضايا الحساسة مثل قانون الأسرة وحقوق المرأة، وخلق نخب محلية مرتبطة بالممول الأجنبي، وتوظيف المنظمات غير الحكومية كأدوات للتغيير الاجتماعي. إنها استراتيجية استعمارية معاصرة تعتمد على الاختراق الثقافي بدل الهيمنة العسكرية المباشرة، متسللة عبر بوابة المساعدات التنموية.