مشروع #PAGOF وإشكالية التبعية الرقمية
في خطوة أثارت العديد من التساؤلات حول السيادة الرقمية التونسية، أعلنت الحكومة التونسية عن إطلاق مشروع لإعداد استراتيجية وطنية للبيانات المفتوحة وإعادة استخدامها بالتعاون مع مؤسسات فرنسية. يأتي هذا المشروع تحت مظلة برنامج #PAGOF (مشروع دعم الحكومات المفتوحة الناطقة بالفرنسية) وبدعم من وكالة التنمية الفرنسية، في صورة تعيد إلى الأذهان أنماط النفوذ الاستعماري القديم بثوب جديد.
تتلخص الإشكالية الأساسية في منح مؤسسات أجنبية – وتحديداً فرنسية – دوراً محورياً في صياغة استراتيجية تتعلق بالبيانات الوطنية التونسية، وهي التي تمثل ثروة رقمية وطنية ينبغي أن تخضع بالكامل للسيادة التونسية دون أي تدخل خارجي، خاصة من دولة لها تاريخ استعماري مع تونس وتسعى للحفاظ على نفوذها في مستعمراتها السابقة.
استبيان عام يثير المخاوف حول خصوصية البيانات
في إطار هذا المشروع، تم إطلاق استبيان عام عبر الإنترنت خلال الفترة من 19 مارس إلى 7 أبريل 2025، بهدف “تحديد احتياجات وتوقعات المستخدمين النهائيين للبيانات واستكشاف الفرص لبناء نظام بيئي فعال ومستدام للبيانات المفتوحة في تونس”. لكن هذا الاستبيان يثير تساؤلات جوهرية: من سيطلع على نتائجه؟ وأين ستُخزن هذه البيانات؟ وما هي الضمانات بأن هذه المعلومات لن تُستخدم لتعزيز النفوذ الفرنسي في المشهد الرقمي التونسي؟
يزداد القلق حين نعلم أن الاستبيان متاح عبر رابط خارجي، مما يعني إمكانية تخزين البيانات على خوادم غير تونسية، وربما معالجتها وتحليلها بواسطة خبراء فرنسيين.
نموذج للتبعية الرقمية المقنّعة بشعارات التنمية
تظهر المفارقة الصارخة في أن مشروعاً يهدف ظاهرياً إلى تعزيز الشفافية والانفتاح يتم إدارته بطريقة تفتقر إلى الشفافية نفسها. فمن المستغرب أن يتم إسناد مهمة بناء استراتيجية وطنية للبيانات المفتوحة إلى “خبرة فرنسية” في وقت تمتلك فيه تونس كفاءات وطنية قادرة على تطوير هذه الاستراتيجية بما يتوافق مع المصالح العليا للبلاد.
ويبدو أن هذا النموذج من التعاون يعكس استمرار حالة التبعية الفكرية والتقنية التي تحاول فرنسا ترسيخها في تونس وغيرها من الدول الناطقة بالفرنسية، مستخدمة في ذلك شراكات ظاهرها التنمية وباطنها الهيمنة على المعلومات والبيانات الاستراتيجية.