You are currently viewing نقد مشروع “Les Faiseuses”: بين التمكين والتدخل الثقافي الأجنبي

نقد مشروع “Les Faiseuses”: بين التمكين والتدخل الثقافي الأجنبي

في الثاني والعشرين من فيفري الماضي، شهد حي الكرم بالعاصمة التونسية عرضاً فنياً لافتاً للنظر، قدمت خلاله إحدى عشرة فتاة من المواهب الشابة مجموعة متنوعة من الفنون الأدائية كالرقص والملاكمة والهيب هوب. لم يكن هذا العرض مجرد نشاط ترفيهي عابر، بل كان باكورة مشروع “Les Faiseuses” (الصانعات) الذي أطلقته مؤسسة “El Warcha / Collaborative Design Studio” بتمويل إسباني.

بين الخطاب الإعلامي والواقع

وصفت السفارة الإسبانية في تونس هذا العرض بأنه “أداة للتمكين وتحدي القوالب النمطية وامتلاك مساحة بالقوة”. وأكدت أن المشروع “يعزز التزام إسبانيا بمساعدة المجتمع المدني من خلال دعم المبادرات التي تعزز حقوق المرأة في تونس”. غير أن هذا الخطاب الإعلامي الذي يحمل في ظاهره نوايا حسنة، يثير تساؤلات عميقة حول طبيعة التدخل الثقافي الأجنبي في المجتمع التونسي.

إشكالية التمويل الأجنبي وأثره على الهوية الثقافية

يعتبر مشروع “Les Faiseuses” جزءًا من منظومة أوسع من المشاريع الممولة من الوكالة الإسبانية للتعاون الدولي من أجل التنمية (AECID)، والتي تنتشر في مختلف الولايات التونسية. ولعل السؤال الجوهري الذي يطرح نفسه هنا: إلى أي مدى تعكس هذه المشاريع الاحتياجات الحقيقية للمجتمع التونسي؟ وهل تتماشى مع القيم والتقاليد المحلية أم أنها تفرض رؤية غربية للتمكين قد لا تتناسب بالضرورة مع الخصوصية الثقافية التونسية؟

فالملاحظ أن هذه المشاريع، وفق النص، “تعمل على صنع صورة عن المجتمع التونسي تتصارع فيه النساء ضد الرجال”. وهنا تكمن الإشكالية في تصوير العلاقة بين الجنسين على أنها علاقة صراع وتنافس، وليست علاقة تكامل وتعاون، وهو ما قد يؤدي إلى خلق فجوات اجتماعية أكبر بدلاً من ردمها.

بين التمكين الحقيقي والاستقطاب المجتمعي

لا يمكن إنكار أهمية دور المرأة في المجتمع، وأهمية الفن كوسيلة للتعبير و التغيير. لكن السؤال المطروح هو: هل يتم هذا التمكين في إطار احترام خصوصية المجتمع وقيمه؟ أم أنه يأتي مفروضاً ضمن أجندات ثقافية خارجية قد تكون غريبة عن النسيج المجتمعي المحلي؟

فإذا كانت المشاريع الممولة أجنبياً تركز على “إبراز التناقضات بين الجنسين تحت شعار تعزيز المساواة بين الجنسين”، فإن ذلك قد يؤدي إلى تعميق الانقسامات الاجتماعية بدلاً من تجسير الهوة بينها. فالتمكين الحقيقي يجب أن ينبع من احتياجات المجتمع نفسه، وأن يحترم هويته وقيمه الثقافية.

في الختام، يمكن القول إن مشروع “Les Faiseuses” وغيره من المشاريع المماثلة تطرح تساؤلات جوهرية حول العلاقة بين التمويل الأجنبي والهوية الثقافية، وبين التمكين الحقيقي والاستقطاب المجتمعي. وهي تساؤلات تستدعي حواراً مجتمعياً جاداً يهدف إلى بلورة رؤية وطنية للتنمية والتمكين تنبع من احتياجات المجتمع التونسي وتحترم خصوصيته الثقافية والحضارية.