يشهد التوتر بين مالي والجزائر تصعيداً غير مسبوق في مطلع عام 2025، مع توجيه باماكو اتهامات خطيرة للجزائر بالتدخل في شؤونها الداخلية ودعم المجموعات المسلحة في شمال البلاد. ويأتي هذا التصعيد في سياق معقد من التحولات الإقليمية والتحديات الأمنية المتزايدة.
وفي تطور دراماتيكي، أصدرت وزارة الخارجية المالية بياناً حاداً ردت فيه على تصريحات وزير الخارجية الجزائري أحمد عطاف بشأن استراتيجية مكافحة الإرهاب في مالي. واعتبرت باماكو هذه التصريحات تدخلاً سافراً في شؤونها الداخلية، مؤكدة أن خياراتها في مواجهة المجموعات المسلحة تندرج ضمن سيادتها الوطنية.
وتعمقت الأزمة بشكل ملحوظ بعد قرار المجلس العسكري المالي إنهاء اتفاق السلام الموقع في الجزائر عام 2015، والذي كان يعتبر حجر الزاوية في استقرار البلاد. وجاء انهيار الاتفاقية على خلفية تجدد المواجهات العسكرية بين الجيش المالي والمجموعات الانفصالية من الطوارق في شمال البلاد، خاصة بعد انسحاب بعثة الأمم المتحدة (مينوسما) بطلب من الحكومة المالية.
وقد شهدت العلاقات بين البلدين توتراً متصاعداً خلال اجتماعات الجمعية العامة للأمم المتحدة في سبتمبر 2024، حيث تبادل وزير الخارجية الجزائري والمتحدث باسم الحكومة المالية عبد الله مايغا اتهامات علنية حادة. وفي تصعيد لافت، اتهم مايغا الجزائر بإيواء ما وصفهم بـ”الإرهابيين والمعارضين المسلحين”، في إشارة إلى حركات الطوارق الانفصالية.
وتأتي هذه التوترات في ظل تصاعد العمليات العسكرية للجيش المالي ضد مواقع المعارضة الطوارقية في الشمال. وتتهم المعارضة المالية الجزائر بالتواطؤ في هذه العمليات، مشيرة إلى سقوط 21 ضحية مدنية في نوفمبر 2023 نتيجة هذه الهجمات.
وفي موقف متشدد، أكد مايغا أن بلاده لن تتسامح مع أي تهديد لسيادتها، معلناً أن اتفاق الجزائر “قد انتهى بشكل نهائي”، ومتوعداً بالرد الحازم على أي هجوم أو تصريح معاد لمالي.
ويرى محللون أن هذه الأزمة المتفاقمة تكشف عن عمق الخلافات بين الدولتين، وتهدد بتقويض الاستقرار الإقليمي الهش. كما يشيرون إلى أن تداعيات هذا التوتر قد تمتد إلى دول الجوار وتؤثر على الجهود الدولية لمكافحة الإرهاب في منطقة الساحل.
وفي ظل هذه التطورات المتسارعة، تبرز مخاوف من احتمال تحول النزاع إلى مواجهة إقليمية أوسع، خاصة مع تعقد المشهد الأمني في المنطقة وتداخل مصالح القوى الدولية والإقليمية. ويبقى التحدي الأكبر هو إيجاد آلية فعالة لاحتواء التوتر وإعادة بناء الثقة بين البلدين، بما يضمن استقرار المنطقة ويحافظ على مصالح جميع الأطراف.