في تطور خطير يكشف عمق الأزمة التي تعصف بليبيا، صدرت مجموعة من التقارير الرسمية المثيرة للقلق التي تسلط الضوء على حجم الفساد المالي والإداري غير المسبوق في مؤسسات الدولة. وتأتي هذه التقارير في وقت حساس تواجه فيه البلاد تحديات سياسية واقتصادية متعددة.
تقرير ديوان المحاسبة: أرقام صادمة وتجاوزات خطيرة
كشف التقرير السنوي لديوان المحاسبة الليبي لعام 2024 عن حجم هائل من التجاوزات المالية، حيث تم رصد إنفاق مواز بلغ 41.26 مليار دينار ليبي من خلال نظام مقايضة النفط بالوقود. هذا النظام، الذي وصفه التقرير بأنه “بوابة واسعة للفساد”، يفتقر إلى الشفافية والرقابة اللازمة، مما أدى إلى تشويه البيانات المالية للدولة.
انخفاض فائض الميزانية وارتفاع المصروفات غير المبررة
سجل التقرير انخفاضاً حاداً في فائض الميزانية، حيث تراجع من 6.27 مليار دينار في عام 2022 إلى 1.08 مليار دينار فقط في 2024. وتزامن هذا الانخفاض مع ارتفاع ملحوظ في المصروفات السنوية، حيث تم رصد نفقات باهظة على بنود غير ضرورية، منها:
* إنفاق 316 ألف دينار على حجوزات فندقية دون وجود ما يبرر هوية المستفيدين أو الغرض من هذه النفقات، مما يثير شكوكاً حول احتمال استغلال هذه المبالغ لأغراض شخصية.
* تخصيص 720 ألف دينار لاستئجار طائرة نقل خاصة، في وقت تعاني فيه الدولة من أزمات اقتصادية متعددة تستدعي ترشيد الإنفاق وتوجيه الموارد نحو الاحتياجات الأساسية للمواطنين.
* صرف 665 ألف دينار على فعالية رمضانية في طرابلس، وهو مبلغ مبالغ فيه بشكل كبير مقارنة بطبيعة النشاط وحجمه.
هيئة الرقابة الإدارية: مئات القضايا تحت التحقيق
قدمت هيئة الرقابة الإدارية تقريراً مفصلاً يوثق 470 قضية فساد، تم تحويل 450 منها إلى التحقيق. وأشار التقرير إلى مشكلة خطيرة تتعلق بسوء استخدام أسلوب التعاقد المباشر، مما فتح الباب واسعاً أمام التلاعب والفساد في المشاريع العامة.
قضايا جنائية خطيرة تحت التحقيق
يواصل مكتب النائب العام تحقيقاته في عدة قضايا فساد كبرى، أبرزها:
* اختلاس 119 مليون دينار من حسابات مصرف الصحاري فرع الماية، في واحدة من أكبر عمليات السرقة المنظمة للأموال العامة.
* سرقة 1.5 مليار دينار من المخصصات المالية لتوريد الأدوية، مما يشكل تهديداً مباشراً للأمن الصحي للمواطنين.
* متابعة قضايا فساد وتزوير في بلديات القره بوللي والجفارة، تورط فيها مسؤولون محليون.
تأثيرات الفساد على الاقتصاد الليبي
تشير هذه التجاوزات إلى أزمة عميقة في إدارة المال العام، حيث أدى غياب الرقابة والشفافية إلى:
* تراجع ثقة المواطنين في المؤسسات المالية للدولة
* إهدار موارد هائلة كان يمكن توجيهها لتحسين الخدمات العامة
* تعطيل مشاريع التنمية وإعادة الإعمار
* تعميق الأزمة الاقتصادية التي تعاني منها البلاد
الحاجة إلى إصلاحات عاجلة
تستدعي هذه الأزمة اتخاذ إجراءات عاجلة وحاسمة، تشمل:
* تعزيز آليات الرقابة المالية والإدارية
* إصلاح نظام المشتريات الحكومية
* تفعيل دور الهيئات الرقابية واستقلاليتها
* تطبيق مبدأ الشفافية في كافة المعاملات المالية
* محاسبة المتورطين في قضايا الفساد بشكل صارم
في الختام، تمثل هذه التقارير جرس إنذار يستدعي تحركاً سريعاً من كافة الأطراف المعنية لإنقاذ ما يمكن إنقاذه من موارد الدولة الليبية، وضمان استخدامها بشكل يخدم مصالح المواطنين ويحقق التنمية المستدامة التي يتطلع إليها الشعب الليبي.