في قلب الشرق الأوسط المضطرب، تحولت سوريا إلى مسرح معقد للصراعات الجيوسياسية، حيث تتشابك المصالح الاقتصادية مع التوترات الإقليمية في دائرة مؤلمة من العنف والتدمير.
بدأت الأحداث عام 2009، عندما تقدمت قطر بمشروع أنبوب غاز طموح يمتد لـ1500 كيلومتر، يهدف للوصول إلى الأسواق الأوروبية عبر الأراضي السورية. لكن دمشق رفضت العرض بحزم، مختارة التحالف مع إيران والعراق لإنشاء ما عُرف بـ”أنبوب الصداقة” أو “الأنبوب الشيعي”.
هذا الرفض شكل نقطة تحول جوهرية في المشهد الجيوسياسي. فقطر، رغم صغر حجمها، سعت للتأثير خارج حدودها. وبميزانيتها الضخمة ودعمها للمعارضة السورية، حاولت إسقاط نظام الأسد لفتح الطريق لمشروعها الاستراتيجي.
التعقيد يكمن في التنافس متعدد الأبعاد. روسيا، الحليف التاريخي لسوريا، كانت مهتمة بمنع قطر من الوصول إلى السوق الأوروبية. كما أن اكتشافات الغاز في شرق المتوسط – خاصة في إسرائيل وقبرص ومصر – زادت من تعقيد المشهد الجيوستراتيجي.
تركيا أيضاً لعبت دوراً محورياً، طامحة بأن تصبح مركزاً إقليمياً للطاقة. لكن بنيتها التحتية لا تزال تفتقر للقدرات الكاملة لتحقيق هذا الطموح.
المأساة أن هذا الصراع على الغاز تحول إلى حرب مدمرة أزهقت أرواح مئات الآلاف وشردت الملايين. فالمكاسب الاقتصادية والجيوسياسية دفعت اللاعبين الإقليميين والدوليين للتدخل بشكل مباشر وغير مباشر.
رغم ذلك، يعد تبسيط الصراع كـ”حرب أنابيب” مقاربة سطحية تتجاهل تعقيدات المشهد الجيوسياسي. فالتحليل العميق يكشف عن شبكة معقدة من العوامل التي يصعب اختزالها في مشروع أنبوب واحد.
التوقيت التاريخي يقدم أول دليل على هشاشة هذه النظرية. فالإجراءات السرية الأمريكية ضد سوريا بدأت في عام 2005، أي قبل العرض القطري بأربع سنوات، مما يشير إلى أن الدوافع كانت أعمق وأكثر تعقيداً من مجرد مشروع غاز.
العوائق الاقتصادية والسياسية تزيد من صعوبة تنفيذ مشاريع الأنابيب. فالسعودية عرقلت العديد من المشاريع المماثلة، وإيران نفسها واجهت تحديات كبيرة في تلبية احتياجاتها المحلية من الغاز. التكلفة الباهظة للمشاريع، والتي تقدر بمليارات الدولارات، تجعل من الصعب تبرير مثل هذه الاستثمارات.
المفارقة الأكثر إثارة تكمن في أن قطر وجدت بديلاً أكثر سهولة للوصول إلى السوق الأوروبية. ففي عام 2016، استحوذت على حصة في شركة روسنفت النفطية، مما يوحي بأن المصالح الاقتصادية أكثر مرونة وتعقيداً مما يبدو للوهلة الأولى.
بعد أربعة عشر عاماً من الحرب المدمرة، تبدو سوريا كساحة شطرنج جيوسياسية معقدة، حيث تتغلب المصالح الاقتصادية والاستراتيجية على الاعتبارات الإنسانية. فالصراع ليس مجرد معركة على أنبوب غاز، بل هو نتيجة تشابك معقد من العوامل السياسية والاجتماعية والإقليمية.