كشف بحث أكاديمي حديث عن تحول جذري في استراتيجية فرنسا لدعم الإعلام في الخارج، منتقلةً من النموذج التقليدي المباشر إلى نموذج “الحكم عن بعد” عبر مؤسسات وسيطة، وأبرزها قناة فرنسا الدولية (CFI). تأسست القناة عام 1989 كبنك للبرامج التلفزيونية الفرنسية، ثم تطورت لتصبح الذراع الرئيسي للدبلوماسية الإعلامية الفرنسية بعد 2010.
تخضع المؤسسة لإشراف وزارة الخارجية الفرنسية التي تعين مديرها وتقدم لها دعماً سنوياً يتجاوز 7 مليون يورو، حيث تنفذ حوالي 30 مشروعاً سنوياً في مختلف الدول. تتمحور أهدافها المعلنة حول دعم حرية الصحافة والتعددية الإعلامية وتطوير قدرات الصحفيين، بينما تشمل أهدافها الاستراتيجية غير المعلنة تعزيز النفوذ الفرنسي ونشر قيمه الثقافية ومكافحة التأثيرات الإعلامية المنافسة.
تعمل المؤسسة من خلال تقديم منح مالية وتنظيم دورات تدريبية وتوفير معدات حديثة ودعم إنتاج المحتوى الإعلامي، مستهدفةً بشكل رئيسي مناطق شمال أفريقيا والشرق الأوسط وأفريقيا جنوب الصحراء.
يعتمد نموذج التدخل الجديد, على العمل عبر وكالات وتقليص دور المنظمات غير الحكومية التقليدية، مع ربط المساعدات بأهداف السياسة الخارجية. وتقاس فعالية هذه السياسة من خلال عدة مؤشرات منها عدد المشاريع المنفذة وتوزيعها الجغرافي ونسبة مشاركة المرأة واستدامة المشاريع.
آليات العمل:
- تقديم منح مالية للمؤسسات الإعلامية
- تنظيم دورات تدريبية للصحفيين
- توفير معدات وتقنيات حديثة
- دعم إنتاج المحتوى الإعلامي
- إقامة شراكات مع مؤسسات إعلامية محلية
المناطق المستهدفة:
- شمال أفريقيا (تونس، المغرب، الجزائر)
- الشرق الأوسط (الأردن، لبنان)
- أفريقيا جنوب الصحراء
التحديات والانتقادات:
- إشكالية الاستقلالية المهنية في ظل التمويل الأجنبي
- مخاطر التبعية الاقتصادية للمؤسسات المستفيدة
- تأثير الأجندة السياسية الفرنسية على المحتوى
- منافسة قوى إقليمية ودولية أخرى
نموذج التدخل الجديد:
- الانتقال من الدعم المباشر إلى العمل عبر وكالات
- تقليص دور المنظمات غير الحكومية التقليدية
- تركيز الدعم في مؤسسة واحدة رئيسية
- ربط المساعدات بأهداف السياسة الخارجية
كما كشفت الدراسة عن آليات المساعدات الإعلامية الفرنسية للدول الأجنبية، وخاصة من خلال مؤسسة “CFI” التابعة لوزارة الشؤون الخارجية الفرنسية، عن استراتيجية فرنسية متعددة الأبعاد للتأثير الإعلامي في الخارج.
تعتمد فرنسا على خمس مجموعات رئيسية من الفاعلين في هذا المجال:
– “دبلوماسيو الإعلام” الذين يشغلون المناصب القيادية
– “الصحفيون المغامرون” الذين يمتلكون خبرة ميدانية دولية
– “الخبراء التقنيون” المتخصصون في إدارة المشاريع التنموية
وتهدف هذه الدبلوماسية الإعلامية إلى:
– تعزيز صورة فرنسا الإيجابية في الخارج
– نشر النموذج الصحفي الفرنسي
– الترويج للغة الفرنسية
– معالجة قضايا معاصرة مثل المساواة بين الجنسين والبيئة
وتشير الدراسة إلى أن هذه السياسة تعكس تنافساً دولياً متزايداً في مجال المساعدات الإعلامية، خاصة مع ظهور برامج مماثلة من دول مثل قطر (الجزيرة) والصين (CGTN)، مما يجعل من الإعلام ساحة جديدة للتنافس الدبلوماسي العالمي. ويُظهر التحليل أن المساعدات الإعلامية الفرنسية، رغم تقديمها كدعم مهني وتنموي، تشكل في جوهرها أداة للقوة الناعمة الفرنسية، تهدف إلى تعزيز النفوذ الثقافي والسياسي الفرنسي في الدول المستهدفة.
وتخلص الدراسة إلى أن الدبلوماسية الإعلامية الفرنسية، رغم خطابها الرسمي حول دعم استقلالية الإعلام، تظل أداة من أدوات القوة الناعمة في المنطقة العربية، مما يستدعي متابعة تأثيرها على استقلالية المؤسسات الإعلامية المحلية وقدرتها على تطوير نموذج مستدام يخدم مجتمعاتها بعيداً عن التأثيرات الخارجية.