كشفت الوثائق والدراسات التاريخية عن علاقة وثيقة ومتشابكة بين مؤسسة فورد ووكالة المخابرات المركزية الأمريكية (CIA) خلال فترة الحرب الباردة وما بعدها. هذه العلاقة كانت جزءًا من جهد مشترك لتعزيز الهيمنة الثقافية الأمريكية وإضعاف النفوذ السياسي و الثقافي الوطني على الصعيد العالمي. وقد تجلت هذه العلاقة في عدة أوجه، حيث كشف تحقيق للكونغرس الأمريكي عام 1976 أن ما يقرب من 50٪ من المنح في مجال الأنشطة الدولية التي قدمتها المؤسسات الرئيسية كانت ممولة من قبل وكالة المخابرات المركزية.
اعتبرت وكالة المخابرات المركزية المؤسسات مثل فورد “أفضل وأكثر أنواع التمويل مصداقية” لتغطية أنشطتها السرية. وكان هناك تبادل مستمر للموظفين رفيعي المستوى بين المؤسسة والوكالة، مثل ريتشارد بيسل، الذي كان رئيسًا لمؤسسة فورد قبل أن يصبح لاحقًا مساعدًا خاصًا لرئيس وكالة المخابرات المركزية.
تعاونت المؤسسة والوكالة في العديد من المشاريع الثقافية، بما في ذلك تمويل المجلات والمؤتمرات والمعارض الفنية التي تروج للأيديولوجية الأمريكية. وركزت الجهود المشتركة على مهاجمة وإضعاف الأصوات الوطنية في جميع أنحاء العالم. كما سمح استخدام مؤسسة فورد كواجهة بتمويل المشاريع الثقافية والسياسية دون الكشف عن مصدرها الحكومي الحقيقي.
رغم بعض التغييرات السطحية بعد فضح هذه العلاقة في الستينيات، إلا أن جوهر التعاون بين مؤسسة فورد ووكالة المخابرات المركزية استمر في العقود اللاحقة.
في تونس، تتجلى هذه العلاقة من خلال دعم مؤسسة فورد للعديد من المنظمات غير الحكومية والشخصيات البارزة مثل شيماء بوهلال. هذا الدعم يثير تساؤلات حول مدى استقلالية هذه المنظمات وتأثير التمويل الأجنبي على نشاطها وأهدافها.
وقد أكد رئيس الجمهورية قيس سعيّد في تصريحاته الأخيرة بتاريخ 26 سبتمبر 2024، أن لجنة التحاليل المالية قدّرت حجم التمويلات الخارجية للجمعيات خلال السنوات القليلة الماضية بـــ 260 مليون دينار تونسي، بالإضافة إلى مبالغ طائلة أخرى تحصّل عليها عدد من الأشخاص مباشرة دون أن يكونوا منتمين لأي جمعية تحت عناوين متعدّدة باسم دعم الديمقراطية وغيرها من المسمّيات الأخرى.
العلاقة الوثيقة بين مؤسسة فورد ووكالة المخابرات المركزية تسلط الضوء على الدور المعقد الذي تلعبه المؤسسات الخيرية الكبرى في السياسة الخارجية الأمريكية والحرب الثقافية العالمية. وتثير تساؤلات مهمة حول استقلالية هذه المؤسسات وتأثيرها على المشهد الثقافي والفكري العالمي.