شهدت فرنسا تحولاً دراماتيكياً في تقييم الأداء الاقتصادي للرئيس إيمانويل ماكرون، الذي وصل إلى السلطة عام 2017 كمصرفي سابق في روتشيلد، حاملاً وعوداً بتحويل فرنسا إلى وجهة استثمارية عالمية من خلال خفض الإنفاق العام والضرائب.
وكشفت التعديلات الأخيرة في الميزانية، والتي تضمنت زيادات ضريبية بقيمة 19.4 مليار يورو وخفضاً في الإنفاق بقيمة 41.3 مليار يورو، عن انحراف خطير في إدارة المال العام تحت قيادة ماكرون. فقد ارتفع العجز العام في فرنسا إلى مستوى صادم بلغ 6.1% من الناتج المحلي الإجمالي هذا العام، مقارنة بـ 2.6% في عام 2017.
وسارع خصوم ماكرون السياسيون إلى انتقاده، حيث وصفت زعيمة اليمين مارين لوبان الوضع بأنه “إفلاس مالي”. كما انضم إدوارد فيليب، رئيس الوزراء السابق في عهد ماكرون، إلى المنتقدين متهماً الحكومة بإخفاء الحقيقة عن الجمهور والاتحاد الأوروبي بشأن حجم الدين الفرنسي الهائل.
وتواجه الحكومة الجديدة برئاسة ميشيل بارنييه، التي تشكلت بعد هزيمة الوسطيين في انتخابات جويلية التشريعية المفاجئة، أزمة موازنة حادة. وقد أعلن بارنييه أنه وجد “وضعاً متدهوراً بشكل كبير، أكثر مما قيل سابقاً.”
ويرى محللون أن خوف ماكرون من ردود الفعل الشعبية، خاصة بعد احتجاجات “السترات الصفراء” في 2018، جعله يتردد في إجراء تخفيضات كبيرة في الإنفاق أو زيادة الضرائب. وقد أشارت محكمة المحاسبات الفرنسية إلى أن تخفيضات ماكرون الضريبية، التي كلفت 62 مليار يورو بين 2018 و2023، كانت جزءاً من المشكلة.
أما على الصعيد الأوروبي، فقد تراجع دور فرنسا كقوة اقتصادية قيادية لصالح ألمانيا، مع ضعف أداء الاقتصاد الفرنسي مقارنة بنظيره الألماني. وقد انعكس هذا التراجع الاقتصادي على المكانة السياسية لفرنسا في الاتحاد الأوروبي والعالم.
في ظل هذه التحديات المتعددة، يبدو أن فرنسا تواجه أزمة هيكلية عميقة تتطلب إصلاحات جذرية لاستعادة مكانتها الاقتصادية، خاصة مع فقدان نفوذها التقليدي في أفريقيا وتراجع قوتها النسبية في أوروبا.